شهرُ الخير قد أقبل فهل سيكون شهراً للخيرات أم أن المراوحة تسير في مكانها؟! من الصعب أن يقفز الإنسان على سلوكيات تعودها طيلة سنة كاملة، ولكن هذا الشهر قد أقبل بمغرياته التي تشدنا لاغتنامه وكسب ما فيه من خيرات، فهل من نقطة تحول تحدث أم نومٌ بالنهار وسمرٌ بالليل وكفى؟!
من المهم أن يقف الواحد فينا مع ذاته بضع لحظات وهو يستقبل الشهر الشريف ليس من أجل العتاب والمحاسبة، بل من أجل أن نبدأ التغيير، التغيير لا يبدأ إلا من الداخل حيث مكمن الإرادة والقرار وبوابة التحول تُكتب في لحظة، السلبيات المتكالبة علينا طوال العام يجب أن نحاصرها وننتزع أنفسنا من مستنقعات التعاسة إلى روضة السعادة، ولن يكون التمني إلا خطوة صغيرة قد تتبخر أو يسير عليها قطار الإصرار.
ولحديث النبي (صلى الله عليه وآله) الأثر البالغ في أحداث ذلك الانقلاب في شهر نحن على موعدِ ضيافةٍ مع الله، فلا عجب إن حفت به : (ِالْبَرَكَة وَالرَّحْمَة وَالْمَغْفِرَة)، فلنغترف من نمير الرسالة بضع غرف ونرتشف من سناه بضع رشفات :
يتحفنا النبي الكريم (صلى الله عليه وآله ) بمعلومات قيمة حول هذا الشهر المبارك ينبغي أن تلاحظ منها أنَّ : (أَبْوَاب الْجِنَانِ فِي هَذَا الشَّهْرِ مُفَتَّحَةٌ) و(َأَبْوَاب النِّيرَانِ مُغَلَّقَةٌ) و(الشَّيَاطِين مَغْلُولَةٌ) و(الْوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ) أفضل الأعمال فيه.
الفهم الجزئي يتمرد فينا حتى في الفصول المهمة من حياتنا، البعض يطيل الدعاء فـ (دُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ) نيشان نتذكره من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أننا نهمل الكيفية التي أمرنا بها وهي بـ (بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ) و(قُلُوبٍ طَاهِرَةٍ).
(بُلوغ الغفران) مَطلبٌ يحثنا النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) على نيله لينحسر الشقاء عنا ولا يتحقق إلا بالتوفيق، و(الصيام الحقيقي) و(تلاوة القرآن حق التلاوة) من جسور بُلوغ تلك المغفرة التي ينحسرُ بهما الشقاء.
في هذا الشهر المبارك نتذوق سغب الصيام ونستشعر لوعة الظمأ الشديد، ولكن تبقى الغفلة مسيطرة في الأعماق، فهل نخترق الحجب لنصل إلى (جُوع يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَعَطَشَه)، وهل سنعمل للتدارك قبل الفوت؟!
(الصدقة والتوقير) و(التراحم وصلة الرحم) و(حفظ الجوارح) أبرز ما يدعونا إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكن الصعوبة قد تواجهنا في المسير إلا أن لكل كنز خارطة وهذه خارطة النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) فلنظفرُ بها.
إن لم تكتب من (المصلين) في هذا الشهر فلتكن من (الساجدين)، فالبشارة الكبرى التي يُقدمها النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) قوله : (أَنَّ اللَّهَ أَقْسَمَ بِعِزَّتِهِ أَنْ لا يُعَذِّبَ الْمُصَلِّينَ وَالسَّاجِدِينَ وَأَنْ لا يُرَوِّعَهُمْ بِالنَّار).
(التقوى تاجُ الأعمال)؛ فإن لاحظنا تسابق المؤمنين في تدشين مشروع إفطار الصائمين فإن التقوى باعثها كما قال (صلى الله عليه وآله) : (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ).
الجوع والعطش يُهيج البعض ويستفزهم، فهل سنحافظ على الصيام من الخدش أم أن سَورة الغضب ستكون المسيطرة علينا، في معمعة الثوران علينا أن نتذكر هذا الشطر : (مَنْ كَفَّ فِيهِ شَرَّهُ، كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ غَضَبَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ).
((بلغنا الله وإياكم صيامه وقيامه وتلاوة كتابه إنه سميع مجيب الدعاء)).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق